؟؟؟؟؟؟؟؟؟ مرصفا بين الأمس واليوم

؟؟؟؟؟؟؟؟ مرصــفا
حينما كنا صغارا وهمومنا ومشاكلنا نرميها برفق وبكل أعبائها على أكتاف والدينا كانت بكل صدق الدنيا جميلة وبراقة إلا أن جاء دورنا لنحمل الكثير من أعباء وهموم الحياة القاسية وأعباء أولادنا أيضاً، وما أجمل السن الذي أتذكر فيه تلك الأيام وكأنني أعود إليها الآن بمخيلتي وارقب فضاء واسع جميل تحوطه الأشجار هنا وهناك فى ريفنا المرصفاوي الجميل فضاء تتلاقى فية السماء مع الأرض في الأفق البعيد ، ويغزو الهواء النقى أرض بلدتي مرصفا برائحة زهر الليمون والبرتقال وشتى أنواع الزهور من الحقول المجاورة فتجد البلدة كلها معطرة ليل نهار ، وتتألق سنابل القمح الذهبية متوهجة عندما تنعكس عليها اشعة الشمس الساطعة وتتمايل شجيرات القطن بخيوطها البيضاء مبشرة بمحصول جيد ووفير يعين الفلاح على حياة جميلة هادئة و مستقرة ، ويبشر بقرب زواج الأبناء من إيراد هذا المحصول البديع .
وكنت بعد صلاة الفجر وإلى وقت قريب جدا ارقب حشود الفلاحين ممسكين بحبال من التيل مربوطة فى مواشيهم فى طريقهم الى المزارع والحقول الخضراء والابتسامة تعلو وجوههم وعيونهم يقظه ، استعدادا لبداية يوم جديد آملين من الله سبحانه وتعالى فى محصول طيب ووفير فى نهاية كل دورة زراعية .
وكنت ألاحظ ترابط العلاقات الطيبة بين جموع الفلاحين ومشاركتهم مع بعضهم البعض فى تعاون مثمر اثناء تواجدهم فى الحقول .. هذا يساعد اخاة فى حرث أرضه بالمحراث البلدى .. وذاك يداه مع يد جاره لتدوير البدال الذي كان يحضر الماء من الترع لروي الأرض وتجد مع هذا التعب دواء لهم حيث أنهم كانوا يتغلبون على الوقت والمجهود الشاق إذ أن الآلات الحديثة آنذاك ما كانت دخلت القرية إلا لمن كان قادرا عليها مادياً فكانوا يتغنون بأجمل العبارات التي تقيهم كل شيئ في الصيف أو الشتاء، كنت أجد هذا ينظف ارض جارة من الحشائش الضارة الموجودة فى حقل الأرز المغمور بالمياه , وهذا يحصد مع اخية سنابل القمح وذاك يجمع مع اخية خضراوات حقله وفاكهة حديقته الصغيرة .. كلٍ فى تعاون وحب ورغبة فى الإنتاج مع نشاط محبوب وتعاون مثمر ورضا بما تجود بة الأرض لأنهم جميعا على علم جيد بفنون الزراعة وان هناك فى انتظارهم البركة عند جمع المحصول .
اما الآن ... وأثناء وجودي بمصر لقضاء أجازتي الصيفية ككل عام وبعد صلاة الفجر كالمعتاد .. جلست ارقب من قريب وليس من بعيد حيث لا أفق ظاهر و لا سماء تتلاقى مع المحاصيل وذلك لتكدس المباني المبنية من الطوب الأحمر بعضها بجوار بعض فى تلاصق دون تصميم للبناء يتيح فرصة للتأمل كما كان ، فكادت الأنفاس أن تختنق .. جلست ارقب .. وأحدث نفسي أين جحافل وجيوش الفلاحين ومواشيهم فى الطرقات الى حقولهم ؟ !!
فلم أجد شيئا .. لا حس و لا خبر .. حتى منتصف النهار بدت لى على استحياء قليل من الماشية العجفاء تجر ورائها نفر من البشر يسيرون فى تكاسل واضح فى طريقهم الى حقولهم , وعرفت السبب ألا وهو السهر ليلا وكل ليلة امام جهاز ( الفضائيات ) لمشاهدة فلم مثير او اغانى شبابية جرداء من الطرب الجميل . ، سألوني أنا مين ،، والعنب العنب ،، وزكي يا زكي ،، والسح السح أمبوه ( ورغم أن كلمة أمبوه جامعة في محتواها بين الأم والأب) إلا أنه قال في الأخر أدي الواد لأبوه ؟؟؟ وما خفي كان أعظم والأغرب من ذلك يا أخواني والله أن الأجيال القادمة تربت على هذا حيث أنه أستوقفني موقف مضحك ولكن في نفس الوقت محزن جدا جدا حيث أنني كنت في يوم من الأيام في فرح أحد أقاربي بالبلدة ووجدت طفلا محمولاً على كتف أمه وهي تصفق والله يبدو لي أنه لم يكمل العامين وجدت هذا الطفل يهز جسمه تلقائيا ويبتسم ويتراقص على أنغام الموسيقى التي تغلغلت في أعماقنا وللأسف تربت عليها الأجيال الناشئة ؟؟ ولهذا قلت من قليل أن الفلاحين الآن حتى مواشيهم يسيرون فى تكاسل ملحوظ وهم اقرب الى النوم منهم إلى اليقظة في طريقهم إلى حقولهم ، وما تجد الآن إلا القليل القليل انضباطا بالعادات القديمة من النوم مبكرا والذهاب إلى حقولهم بعد صلاة الفجر مباشرة إلى مزارعهم المحتاجة إليهم بشدة لكى تثمر لهم سنابل القمح وخبز الحياة .
ومن انطباعاتي الريفية أيضا .. اننى لم أشم رائحة الخبز البلدى من الأفران البلدية ذلك الخبز الذي كان يصنع بأيدي ست البيت فى كل بيت من الريف، وبأنفسنا صنعنا هذة الطوابير الطويلة امام الأفران وكأننا صنعنا بأنفسنا حب وتجازب مثمر مع الهموم والمشاكل ونذهب إليها بأنفسنا؟
ولماذا لا تقوم كل ربة بيت فى صنع رغيفها ورقاقها و الاعتماد على الذات لها و لأولادها ؟ !!
فتغرس فى أولادها الرغبة فى العمل و الاعتماد على الذات وحب الانتماء للمكان ، كلنا أصبحنا مرة واحدة نكره الفلاحة وعيشة الفلاحة التي كان يحسدنا عليها محمد عبد الوهاب بنفسه حينما قال ماحلاها عيشة الفلاحة ؟؟؟؟؟ وماذا سيحدث إن أصبحت الفتاه ممسكة بشهادة جامعية هل جلوسها أمام الخبيز أو متطلبات الحياة عيباً ؟؟ يا ألمي على الغد ممكن حتى نجد بمرصفا يوما ما الطبخة تكون تيك أواي من المطاعم ؟؟؟
وهل أكون مبالغا إذا تسألت ... أين فطائر المشلتت المصنوع من عجينة دقيق القمح والمخلوط بالسمن البلدى الذي لم يصنع الأن غير في المناسبات ؟؟
ولم تتهادى إلى انفي رائحة السماد البلدى مصدر الخير للأرض الزراعية حيث أن لهذا السماد دور حيوى فهو صديق للبيئة مناسب للصحة العامة ، الكل في كسل ؟؟
ثم ، ما هذة المبانى الكثيرة المبنية من الطوب الأحمر فى تكدس ملحوظ صانعة طرق ضيقة ؟ تكاد لا تصل إليها أي معدات أغاثة ؟؟ لماذا نضيق الخناق على أنفسنا وما دور رقابة التنظيم في الوحدة المحلية ؟؟؟
وأين الفلاحة ( ست البيت ) التى تنظف وترش المياه أمام بيتها كل صباح باكر ( مبروك علينا مشروع الصرف الصحي )؟ !!
اين اختفى منظر الافق الجميل وهو يداعب سنابل القمح عند الالتقاء فى بهجة وسرور وفى عناق كنت اظنة ابدى ؟ !! اين ريف مرصفا الحقيقي ؟ بل اين قريتى التى كنت اعرفها جيدا ؟!!
اين المصلى الصغير المقام بجوار جسر الترعة امام كل حقل حيث تنساب فى الترعة مياة الخير و الحياة ، وهل اذا استفسرت عن زرائب المواشى المحاطة بأشجار التوت والجميز اين هى .. اكون قد بعدت بعيدا عن الحضارة المزعومة ....؟!! فلا عجب من أسألتي وتأملاتي مما جعل أحد أصدقائي وهو محمد فتح الله عتمان يقول لي ذات يوم أنت لست من هذا الزمن أنت بكل صدق أتيت من الزمن الجميل ومازالت حلاوته وذكرياته قابعة في ذهنك ولم تتغير أبدا ؟؟؟ ولما الاستغراب فان كل ما استفسر عنة هو عودة الى الطبيعة الجميلة وتأصيل الذات، فهيا بنا الى نداء واحد اصنع بنفسك واخدم نفسك وتعاون مع الجميع كل ذلك سوف يجعل من ريفنا الجميل صحوة مطلوبة وامر مرغوب فية ... الا ترى معى ذلك ؟
ثم اين حظائر الدواجن { طبعاً الحزر مطلوب } وجموع البط و الاوز وهى تتهادى فى طريقها الذى كان معروف الى الترعة المجاورة لكى تأخذ قسطا من النزهة بحرية بريئة لتتناول طعامها المفضل من الحشائش المبللة بالماء والتقاط بعضا من صغار السمك المنتشر فى الترعة المظللة والمكيفة بنسمات أوراق شجر الكافور المنسدل على الأرض وعائم على أمواج شاطئ الترعة بمنظرة البديع الذي لم يغيب عن نظري حتى الآن.
كنت تزور اى مزارع او فلاح فى بيتة المبنى من الطين اللبن فتجد الهواء رطب شبة مكيف بطريقة طبيعية حيث المساحات واسعة لا حر شديد كهذا ، بل نسمات تنساب فى أجزاء البيت الواسع الرحب العامر بالخيرات ، فأنا أعطي مثالا فبيتي الذي كنت أسكن به كان مبني على ما يقارب بالثلاث قراريط وحينما باعة أبي عليه رحمه الله فقد بني على هذه المساحة ثلاث بيوت من المسلح أرئيتم الفرق الشاسع والواضح ، أحنا فعلا بنخنق نفسنا بنفسنا وغلينا كل شيئ وأصبح أي شيئ من سلع وعقارات شبيه بالمهندسين وغيرها ، مععقول ده يحصل في بلدنا يا جماعة معقول يجي يوم وناس تزايد على ناس لإرتفاع سعر الأراضي وأصبح صاحب كل أرض الأن يضع رجلا على رجل ويقول أنا ببيع بالمتر ومن المسؤول عن هذا ؟ يقولون أن المسافرين في أروبا ودول الخليج من بلدتي هم سبب ذلك الارتفاع في البلد ،، وإني أوجه نداء لعله يصل إلى أصحاب العقول ، هل تدرون شيئا عن الأزمة المالية وطرد معظم العاملين في الخارج إلى بلادهم فهل لو كنت أحدهم تستطيع الأن أن تشتري بالمتر ،، فهذا هو حال من لم يغترب عن بلده حتى الأن فهو يشعر بما تششعر به الأن من زل وهوان أرجو أن تكون المعلومة وصلت وأن لا نزايد على بعضنا البعض وبإستطاعنا أن نجعل كل الأسعار في بلدتي في متناول الجميع ؟؟
اشتقت بكل صدق إليكي يا مرصفا القديمة أين فأين صوت السواقى ليلا ؟!! وهى تشكل سيمفونية لحن الخلود مع صوت الفلاح وهو يشدوا بالغناء الاصيل وسط الليل المظلم والمعتم تحرسة نجوم السماء المتألقة ترقبة فى صمت وترسل إليه قمر السماء ليضيء له المكان و الزمان ؟
اين هذا الفلاح العجوز الذى كان يجلس القرفصاء ساندا ظهره الى جذع نخلة تتساقط منها رطبا جنيا نأكل منها جميعا فى شهية لذيذة وهو ينسج لنفسه طاقية من الصوف من وبر جملة المربوط فى الشجرة المقابلة هناك ؟
لكل زمان حلاوته ولكل زمان أيضا تطوره وما هذا التطور العجيب في وقتنا هذا إلا ويكون بلا قيمة في المستقبل القريب لأن هذا وقت التطور والتكنولوجيا وسامحوني أني كتبت عن المحراث والخبيز والفطير المشلتت في ظل هذا التطور الهائل الذي شمل أيضا كثير من الآلات الزراعية ولكن تذكرتي لهذه الأشياء وكما قلت من قبل هو عودة الى الطبيعة الجميلة وتأصيل الذات وعدم نسيان ذكرانا الجميلة وتقاليدنا القديمة في بلدنا مرصفا ؟؟ وسأظل أكتب هذه الأبيات في كل مقالة تعظيما وتشريفا لأرضنا الغالية مرصفا بمن عليها وتحت ترابها ؟؟

إن السحابـة حين تقف علـى أرضـنا تبــكــي بعـيـن دمعـهـا ذراف

والشمس ودت أن يكــون مبيـتـهـا أرض الــرجال ســريرها ولحاف

يا قريـة العـز قد علـو تـي بــنا إن المحبــة فـي القـلـوب شغـاف

والله يا مرصفا لو تركوا لساني وشأنـه فـي وصفك لقالـوا بأني ساحر عراف


محمد مراد المرصفي