حوار جريدة رابطة العالم الإسلامي
الأستاذ عبد الحليم خفاجي
وقد أجرت معه جريدة رابطة العالم الإسلامي حوار جاء فيه:
متى كانت الرحلة إلى أوروبا? ولماذا اخترت ألمانيا بالذات?
كانت البداية في أواخر حقبة السبعينيات وبالتحديد 1979م، وسبب اختيار ألمانيا أنها بلد يتمتع المواطنون فيها بقدر واسع من الحرية التي تتيح لهم ولغيرهم من المهاجرين فرص واسعة للاستثمار لا تستثنى من ذلك أحد فضلاً عن أن هناك علاقات قديمة بين المسلمين والألمان، وما وجدنا أطماعًا من قبل ألمانيا في الدول الإسلامية حتى أثناء الحرب العالمية الثانية كان دخول ألمانيا مصر من قبيل حربها ضد بريطانيا، فضلاً عن أن مجال الدعوة وطبيعة الشعب الألماني أنه شغوف بالمعرفة ويبحث عن الحقيقة، وهذا سبيل جيد للتعرف على حقيقة الإسلام الذي يُعنى بنفي الجهل ومعرفة الحق وعدم التعصب للباطل، ورائدنا في ذلك قول الله سبحانه وتعالى {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} سورة البقرة111 هي طريقة حوار ناجحة كما أرى.
بداية حياتك في ألمانيا هل كانت سهلة أم صادفتك مصاعب?
لم تكن مفروشة بالورود بل كانت الأشواك كثيرة، لم أجد البيئة التي كنت أحلم بها، لم تكن الأمور ميسرة لدرجة أني لم أجد مدرسة لأولادي تدرِّس اللغتين العربية والألمانية، وكنت أنفق من مواردي الخاصة.
أين عملت في ألمانيا في بداية هجرتك للغرب?
عملت في المركز الإسلامي في ميونيخ، وفكرت في البداية أنه لا بد من إيجاد مدرسة ابتدائية ثنائية اللغة، وإذا أراد الله أمرًا يسّر له أسبابه، سعينا مع بعض الألمان المسلمين حتى تم تأسيس المدرسة، وكان أبناؤنا أول من تم تسجيلهم فيها، وكانت بجوار المركز الإسلامي.
هل أرضت المدرسة طموحاتك من التواجد في ألمانيا، كانطلاقة لخدمة أبناء المسلمين?
للأسف لا؛ لأن تأثيرها كان مقصورًا على أبناء المسلمين، ولكن كان من الممكن لو كانت صرحًا كبيرًا أن تجذب الألمان، لكن هذا يحتاج لإمكانات الخيّرين وخاصة في الدول الخليجية.. لقد وجدتُ أن المسلمين في حاجة إلى دعم الجانب الثقافي عن الإسلام، والمدرسة تخدم ثقافة الصغار من أبنائنا، فضلاً عن تعريف الألمان بالإسلام، فقررت فتح دار نشر لدعم العلاقة بين الثقافتين الألمانية والإسلامية.. حيث وجدت المكتبة الإسلامية في ألمانيا تفتقر إلى رابط الكتب التي تعرِّف بالإسلام، أو تعين المسلم على معرفة دينه، فليس لديهم كتب تتحدث عن الحلال والحرام، أو المرأة في الإسلام، أو الفقه أو التفسير وغيرها، فكان لا بدّ أن نقيم دار النشر التي تهتم بجانب الإسلام وتوضِّح تصوُّره ومعتقده، فأصدرنا عشرات الكتب في هذا المجال حيث سدّت الفراغ الذي لم يكن يملؤه ما لدى المكتبة الإنجليزية من كتاب إسلامي؛ لوجود حاجز اللغة لدى الكثير من الألمان؛ إذ كانت المكتبة الألمانية منذ ربع قرن تفتقر إلى المؤلفات التي تتسم بالمصداقية عن الإسلام.. من يدخل الإسلام كان يعاني من عدم وجود مراجع موثوق بها في الألمانية، فيلجأ إلى الإنجليزية لسبقها في نقل الكثير من الكتب القيِّمة عن هذا الدين، دفعنا ذلك لتأسيس مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام عام 1983م كجسر يصل بالثقافة الإسلامية إليهم، لإيجاد أواصر التعايش بين الشعوب الإسلامية والناطقين باللغة الألمانية، وحسبنا ما قال البروفسور السويسري (ثابت عيد) الأستاذ في جامعة زيوريخ عن المؤسسة: "صارت بافاريا أول دار نشر عربية إسلامية للقيام بدور فعال في تصحيح الصورة المشوَّهة للإسلام في ألمانيا".
ما أهم الكتب التي قمت بإصدارها عن الإسلام?
منذ تاريخ التأسيس أصدرت بافاريا العديد من الكتب التي تهم المسلم الجديد، مثل: رياض الصالحين، الحلال والحرام في الإسلام، المرأة في الإسلام، وعود الإسلام، أختي المؤمنة، محمد في الإنجيل، الإنجيل والقرآن، أمهات المؤمنين، كتاب الله ليس كذلك، شبهات حول الإسلام، يوميات ألماني مسلم، الإسلام بين الشرق والغرب، الإسلام كبديل، زفرات البوسنة، بين شتّى الجبهات، الإسلام في عيون السويسريين، روض الرياحين، كواكب حول الرسول، دور أوروبا في مستقبل العمل الإسلامي.
وماذا عن القرآن الكريم، هل كانت لديك فكرة واضحة عن وضع ترجمة ليس بها ما في غيرها من التراجم?
كان هذا هو الهاجس المسيطر علينا؛ لأننا اكتشفنا اهتمام الألمان منذ قديم بالقرآن الكريم ما لم يهتم شعب آخر به، والكارثة أننا وجدنا 43 ترجمة للقرآن، وللأسف لم تكن في المستوى.. بل قال أحدهم - ممن أسلم - إنها ترجمات شيطانية؛ لأنّ الذين قاموا بها كان هدفهم تحريف القرآن، وقد روي عن القس "مارتن لوثر" حين شكا بعض رجال الكنيسة إقبال الألمان على الإسلام، فنصحهم بترجمة القرآن ترجمة محرَّفة حتى ينصرفوا عنه... فشرعت المذاهب وأصحاب الديانات المختلفة في ترجمة القرآن، مثل الكنيسة، والمستشرقين، والبهائيين، والأحمديين، والقاديانيين، الكل أراد أن يترجم القرآن على هواه، وكذلك المذاهب المنحرفة شمرت عن ساعديها لهدم هذا البنيان العظيم، فكان هذا حافزًا لوضع ترجمة للقرآن الكريم اجتنبت عيوب الترجمات القصيرة.
ما هي مميزات الترجمة التي قامت بها بافاريا?
أولاً من ناحية خطة العمل هذه الترجمة عملٌ جماعي توثيقي قام به عشرة من الباحثين المتخصصين، خمسة من العرب وخمسة من الألمان، ووفرت لهم كافة المراجع الخاصة بالتفسير والسيرة والحديث وأسباب النزول باللغات المختلفة وعلى رأسها لغة القرآن الكريم، وأخرجناها جزءًا جزءًا، واستبشر بها الكثيرون؛ لأنها أول ترجمة تفسيرية بلغة أوروبية تجنبت أخطاء الترجمات الأخرى وتجاوزتها، واستمر العمل على قدم وساق وبدأبٍ لثلاث عشرة سنة متصلة، ولاقت الترجمة قبولاً من المسلمين الناطقين بالألمانية، ومن غير الناطقين.
كان لا بد من وضع ترجمة غير تقليدية لتكون بديلاً ملائمًا لتتغلب على ضعف الترجمة الحرفية، وتعتمد المصادر الإسلامية من تفسير وحديث وأسباب النزول واختيار أوثق الآراء في تفسير آيات كتاب الله، فضلاً عن الاعتماد على المصادر في اللغات الأخرى.
لقد وضعوا أيديهم على ما يعاني منه المسلمون الناطقون بالألمانية والمسلمون الجدد عامة، فقد أدركوا خطورة عدم توافر ترجمة ألمانية صحيحة لمعاني القرآن الكريم، مما يفتح المجال واسعًا أمام طعنات الحاقدين.
ومن خلال مؤسسة بافاريا للنشر والإعلام في مدينة ميونخ برز إلى الوجود المشروع العملاق لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية، التي أخذت على عاتقها تصحيح الصورة المشوَّهة للإسلام، وإنجاز ترجمة صحيحة ووافية لمعاني القرآن تمهيدًا لتصل رسالة الإسلام إلى الناس كافة. لقد قام فريق العمل المكوَّن من العرب والألمان المتخصصين بهذا الإنجاز على خير وجه، وكلّف الدكتور أحمد توتونجي - بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا - فريقًا يراجع العمل العملاق في مراحله المختلفة.
ما أهم المصادر التي اعتمد عليها تفسير معاني القرآن باللغة الألمانية من كَمّ المصادر الكبير الذي ذكرت?
كان الهدف ترجمة سهلة التناول والاستيعاب، وكانت المصادر التي تم اختيارها وتخضع لأصول علم التفسير هي:
1- ابن كثير.
2- القرطبي.
3- في ظلال القرآن.
4- صفوة التفاسير.
5- تفسير الجلالين.
ومن أبرز المراجع والبحوث غير العربية التي تم الاستناد إليها:
6- الدارابادي.
7- المودودي "تفهيم القرآن".
8- يوسف علي.
9- محمد أسد.
وبعد جهد شاق خرجت الترجمة التفسيرية إلى النور في ثلاثة آلاف صفحة، ونالت القبول من الناطقين بالألمانية، فلم يقرأها أحد من غير المسلمين إلا دخل الإسلام، فضلاً عن التزكيات العلمية التي صاحبت صدورها سواء في مصر "الأزهر الشريف"، أو في المملكة العربية السعودية "رابطة العالم الإسلامي"، أو من شخصيات لها اعتبارها لتكون الترجمة المعتمدة لدى المسلمين الألمان ،وتحل محل العديد من الترجمات التي تحمل التشويه والمغالطات.
والترجمة موثقة وتورد النص القرآني باللغة العربية بجوار الترجمة الألمانية. وتم عرض العمل بعد اكتماله على مؤتمر جامعة آل البيت في الأردن، وتم اختيارها كأحسن مصدر لفهم القرآن الكريم لغير العرب، معلنين انتهاء عهد الترجمات القصيرة.