ذلك والله عز وجل يتيح لرسله فرص الإطلاع على المظاهر الكبرى لقدرته حتى يملأ قلوبهم ثقة فيه واستناداً إليه، إذ يواجهون قوى الكفار المتألبة، ويهاجمون سلطانهم القائم.
فقبل أن يرسل الله موسى شاء أن يريه عجائب قدرته، فأمره أن يلقي عصاه قال:
{أَلْقِهَا يَامُوسَى. فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى. قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى. وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى. لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى}.
فلما ملأ قلبه إعجاباً بمشاهد هذه الآيات الكبرى قال له بعد: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى..}.
وقد علمت أن ثمرة الإسراء والمعراج إطلاع الله نبيه على هذه الآيات الكبرى وربما تقول: إن ذلك حدث بعد الإرسال إليه بقريب من اثني عشر عاماً على عكس ما وقع لموسى! وهذا حق، وسره ما أسلفنا بيانه من أن الخوارق في سير المرسلين الأولين قصد بها قهر الأمم على الإقتناع بصدق النبوة فهي تدعيم لجانبهم أمام اتهام الخصوم لهم بالإدعاء. وسيرة محمد (صلَّى الله عليه وسلم) فوق هذا المستوى.
فقد تكفل القرآن الكريم بإقناع أولي النهى من أول يوم، وجاءت الخوارق في طريق الرسول ضرباً من التكريم لشخصه، والإيناس له، غير معكرة، ولا معطلة للمنهج العقلي العادي الذي اشترعه القرآن.
وقد اقترح المشركون على النبي أن يرقى في السماء، فجاء الجواب من عند الله: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}.
فلما رقي في السماء بعد، لم يذكر قط أن ذلك رد على التحدي أو إجابة على الاقتراح السابق. بل كان الأمر -كما قلنا- محض تكريم ومزيد إعلام من الله لعبده.